خدمة كامبردج بوك ريفيوز
العنوان الذي يحمله هذا الكتاب واعد بكل تأكيد إذ إنه ينطوي على إشكالية من أهم الإشكاليات التي يتعرض لها علم السياسة في الوقت الراهن, ألا وهي علاقة الديمقراطية بالسلام. "الديمقراطية المقيدة" هي معضلة متعددة الجوانب وتطرح أسئلة عديدة على الباحثين. فأمام الموجة الديمقراطية التي اجتاحت العالم بعد انهيار الكتلة الشرقية اتخذ التوجه نحو الديمقراطية زخماً غير مسبوق إلى درجة أن "الديمقراطية" نفسها قاربت أن تتحول إلى "أيديولوجيا" جديدة بمظنة أنها قادرة على جلب الحلول المنتظرة لمشكلات معقدة ومتشابكة وذات عمر طويل.
وبرغم أن موجة الديمقراطية نجحت في اكتساح مناطق عديدة في العالم بدرجات متفاوتة إن في أوروبا الشرقية أو آسيا الوسطى أو أميركا اللاتينية أو أجزاء من أفريقيا, إلا أنها توقفت عند بوابات العالم العربي ولم تستطع اختراقه. وكان الأردن من أوائل الدول العربية التي التقطت بوصلة التغير العالمي الجديد وتوجهت نحو الدمقرطة في أواخر الثمانينيات وبدا المشروع الأردني ريادياً في المنطقة وواعداً إلى درجة الإزعاج الإقليمي خاصة من بعض دول الجوار التي رأت في التوجه الأردني احتمالات "عدوى" قد تؤثر عليها وتدفع بطلبات داخلية للضغط على الأنظمة لتقليد الحالة الأردنية. لكن الذي حدث بعد سنوات قصيرة من الربيع الديمقراطي الأردني أن عاملاً خارجياً قد ألقى بوطأته على الفضاء الأردني الداخلي بكل تحولاته, ألا وهو معاهدة السلام مع إسرائيل. وهنا طفت على السطح معضلة العلاقة بين "السلام والديمقراطية" التي تناقش في الغرب أكاديمياً ويعيشها الشرق الأوسط عملياً في الوقت الراهن.
والزخم النظري, وإلى حد ما التدعيم العملي, لمقولة "السلام والديمقراطية" يأتي من التجرية الأوروبية أساساً. فهذه المقولة تفترض بأن الدول, أو الأمم, إذا أصبحت ديمقراطية فإن الحروب لا تقوم بينها, وكذا أن العلاقات بين السلام والديمقراطية هي علاقة شرطية إذا حل الواحد منها فإن الآخر سوف يلحق به حتماً. والمثل الشهير الذي تدعم به هذه النظرية هو النموذج الأوروبي في العلاقات بين الدول. فأوروبا كانت موئل الحروب الطاحنة طوال التاريخ, سواء الدينية منها أو الإثنية أو التوسعية القومية. وكانت الدول والإمبراطوريات الأوروبية قد اتخذت أنواعاً مختلفة من الدكتاتوريات الملكية أو الدينية التي لم يكن للشعب رأي أو صوت في صناعة قرارتها المصيرية. ولم تحظ أوروبا بالسلام إلا بعد أن سيطرت عليها الأنظمة الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية, وانقضى عهد الفاشية والنازية والفرانكفونية. وعليه فإن علاقة السلام بين الأمم والديمقراطية هي علاقة عضوية وشرطية.
على أن هذه النظرية تواجه اختباراً قاسياً في الشرق الأوسط ربما يؤدي إلى نقضها كلياً. فهنا يقف "السلام" مع إسرائيل عقبة كأداء أمام التحول الديمقراطي الخجول الذي بدأته بعض الدول. فالمشكلة هنا أن السلام لا يحظى بشعبية واسعة وهو مرفوض في الشارع العربي على أساس أنه لا يستجيب للحقوق الفلسطينية والعربية الدنيا, ولهذا فإنه يسقط في أي مواجهة ديمقراطية أو استفتاء. والداعم الرئيسي للسلام مع إسرائيل هو الأنظمة الحاكمة نفسها التي يعول عليها البعض أن تقود التوجه نحو الديمقراطية. والأردن يمثل الحالة المثالية التي يمكن أن تخضع للدراسة والبحث واختبار هذه النظرية, ومن هنا يأتي "الوعد" الذي يحمله عنوان الكتاب الذي بين أيدينا. لكن هذا الوعد لا يتحقق خلال وبعد مطالعة الكتاب, فالبحث الغني بالتفاصيل المؤرخة للمسيرة السياسية الأردنية خلال عقد من السنوات ينتمي إلى أدبيات التأريخ السياسي العام الذي يرصد الأحداث ويسجلها بحيث يغدو مرجعاً مهماً حقاً يغطي الفترة المذكورة (أي أقرب إلى تسجيل للوقائع).
والنقاش الذي يحمله الكتاب حول "الديمقراطية المقيدة" هو خافت جداً وبالكاد يرى, ويبدو للقارئ أن عنوان الكتاب وضع في اللحظات الأخيرة من دون أن يعبر حقاً عن جوهره مما ألحق ظلماً بالكتاب والكاتب. فنحن هنا لا نجد إطاراً تحليلياً نظرياً يؤسس لفكرة "الديمقراطية المقيدة" أو حتى يعرفها ويرسم الحدود الخاصة بها والفروقات بينها وبين الديمقراطية "غير المقيدة". بل أبعد من ذلك فإن لفظة "الديمقراطية المقيدة" لم ترد في الكتاب كله سوى مرة واحدة (في صفحة 309). ومع أن عناوين الفصول تشير إلى أثر هذا التحول السياسي أو ذاك على الديمقراطية في الأردن فإن متن الفصول لا يتعدى السرد التاريخي وتسجيل الأحداث من مثل تشكيل الحكومات المتعاقبة ومواقف الكتل البرلمانية ومشاركاتها أو تحفظاتها على تلك الحكومات فضلاً عن تأريخ مواقف الملك حسين فيما يتعلق بالعملية السلمية.
لا يحتوي الكتاب على مقدمة نظرية يقول لنا فيها المؤلف ما الذي يريد أن يثبته أو يدحضه فيما هو خاص بالديمقراطية في الأردن, لهذا نفاجأ بفصل موسع عن العلاقة الأردنية الفلسطينية خلال عقد الثمانينيات فيه سرد تفصيلي لاتفاقات الأردن مع منظمة التحرير (فبراير/ شباط 1985) ثم فشله, وصولاً إلى فك الارتباط الإداري والقانوني بين الأردن والضفة الغربية في يوليو/ تموز 1988. ولا يشير المؤلف إلى العلاقة بين هذا الفصل وعنوان الكتاب, لكنه يدلف إلى الفصل الثاني الذي يؤرخ فيه لأحداث الجنوب الأردني التي وقعت في شهر أبريل/ نيسان 1989 وصارت تعرف بـ" هبة نيسان" والتي أدت إلى سقوط وزارة زيد الرفاعي وإجراء انتخابات نيابية في الأردن لأول مرة بعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967 من قبل إسرائيل.
ثم يتابع محافظة التأريخ للوقائع السياسية الأردنية على الساحة الداخلية فيسجل تشكيل حكومة زيد بن شاكر وبدايات التحول الديمقراطي, ثم حكومة مضر بدران التي شارك فيها الإسلاميون بعدد من الوزراء لأول مرة في تاريخ الأردن (في أواخر سنة 1989), ثم حكومة طاهر المصري (1991), وحكومة الشريف زيد بن شاكر الثانية (1991), وحكومة عبد السلام المجالي (1993), وحكومة الشريف زيد الثالثة (1995), وحكومة عبد الكريم الكباريتي (1996), وحكومة عبد السلام المجالي الثانية (1997), وصولاً إلى حكومة فايزالطراونة (1998). وفي سردياته المطولة لتفاصيل تشكيل الحكومات المتعاقبة والمفاوضات بين رئيس الوزراء المكلف من قبل الملك حسين والكتل البرلمانية يقدم المؤلف مادة ثرية وموثقة وبعضها حصيلة لقاءات خاصة مع كبار السياسيين الأردنيين الذين لعبوا أدواراً مركزية في السنوات المعنية. لكن هذا الثراء يعيبه الغياب شبه الكلي للتحليل المعمق والمثير للتفكير الذي يتوقعه المرء من كتاب يدرس حال التطور الديمقراطي في الأردن. ولا نستطيع أن نعثر على رأي واضح للمؤلف عن "الديمقراطية المقيدة" في الأردن. وكل ما نتمكن من الحصول عليه هو سجل مفيد بالطبع للوقائع السياسية التي ترافقت مع خط تطور العملية السلمية وخط التراجع الديمقراطي.
وفي مقابلة الخطين أحدهما مع الآخر نلاحظ مع المؤلف أن تدهوراً مستمراً في الحالة الديمقراطية مواز لتقدم العملية السلمية. فالدمقرطة التي بدأت في الأردن عام 1989 سرعان ما تعرضت لنكسات متتالية بدءا من انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 ثم ما تلاه من حلقات وجولات في تلك العملية الطويلة. فالقوانين التي فرضت على الأحزاب والصحافة والحريات العامة خلال حقبة ما بعد مدريد عادت بالبلاد في فترات بعض الحكومات إلى ما قبل عهد الديمقراطية. لكن المؤلف يترك للقارئ أن يخلص إلى ما يريد من استنتاجات من دون أن يقدم تحليله الخاص به ويؤطر لمقولة الديمقراطية المقيدة كما تشرحها الحالة الأردنية. والحذر الذي قيد معالجة محافظة لهذا الموضوع أثار أسئلة أكثر مما قدم أجوبة, ولعل الإشارة التالية الواضحة والنادرة في تعرضها للديمقراطية المقيدة تدلل على غموض موقف المؤلف, فهو يقول "... على الرغم من التعهدات التي قطعها الكباريتي على نفسه وعلى حكومته بالسير في عملية التحول السلمي نحو الديمقراطية, فإنه لم يستطع تجاوز الحدود التي رسمت بعناية للديمقراطية الأردنية (ولا يخبرنا المؤلف من الذي رسم تلك الحدود, بل يتابع). صحيح أن نظام الحكم قد التزم بالديمقرطية ولكنه أرادها ديمقراطية مقيدة, لأن البديل منها الإحباط والقمع والفوضى التي قد تؤدي إلى حرب أهلية يخسر فيها الجميع" (ص 309). وكما هو واضح فإن هذا النص الغامض لا يقدم جديداً في أحسن الأحوال ومجرد إعادة إنتاج لفظي لموقف الملك حسين الذي يورده المؤلف بعد ذلك بعدة صفحات حينما يقتبس عنه القول "لا بديل للديمقراطية في مجتمعاتنا في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخنا سوى الإحباط والقهر والفوضى التي تؤدي إلى حروب أهلية الكل فيها مهزوم" (ص 312).
إضافة إلى ما ذكر أعلاه ثمة ملاحظات شكلية على الكتاب منها عدم تبرير إقحام "السياسة الخارجية الأردنية" (الفصل السابع) لتقطع التسلسل الزمني والتعاقب بين الحكومات. فهذا الفصل يأتي ليفصل بين الفصل السادس عن وزارة الشريف زيد بن شاكر الثانية والفصل الثامن عن حكومة عبد السلام المجالي الأولى. بل إن كل الحديث عن السياسة الأردنية الخارجية بدا واهي الصلة بموضوعة الديمقرطية المقيدة التي هي عنوان الكتاب خاصة وأن لا أثر بين أو دراسة لانعكاس السياسة الخارجية على الديمقرطية الأردنية أو العكس سواء سلباً أم إيجاباً. والملاحظة الثانية متعلقة بالخاتمة القصيرة وغير المشبعة والتي لا تستنتج شيئاً ولا تقدم خلاصات البحث للقارئ, بل تذهب نصف صفحاتها القليلة للحديث عن آخر أيام الملك حسين وتطورات استلام الملك عبدالله وإبعاد الأمير حسن وما سوى ذلك. أما النصف الثاني من الخاتمة فيتحدث عن التحديات التي تواجه الأردن وهي ثلاثة برأي المؤلف: سياسية متعلقة بالوحدة الوطنية الداخلية (علاقة الأردنيين والفلسطينيين), وإدراية متعلقة بتغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات, واقتصادية. وكما هو واضح ليس هناك أي استخلاص بشأن أسباب أو جذور أو آفاق "الديمقرطية المقيدة" في الأردن, بخلاف ما كان يعد به عنوان الكتاب.
العنوان الذي يحمله هذا الكتاب واعد بكل تأكيد إذ إنه ينطوي على إشكالية من أهم الإشكاليات التي يتعرض لها علم السياسة في الوقت الراهن, ألا وهي علاقة الديمقراطية بالسلام. "الديمقراطية المقيدة" هي معضلة متعددة الجوانب وتطرح أسئلة عديدة على الباحثين. فأمام الموجة الديمقراطية التي اجتاحت العالم بعد انهيار الكتلة الشرقية اتخذ التوجه نحو الديمقراطية زخماً غير مسبوق إلى درجة أن "الديمقراطية" نفسها قاربت أن تتحول إلى "أيديولوجيا" جديدة بمظنة أنها قادرة على جلب الحلول المنتظرة لمشكلات معقدة ومتشابكة وذات عمر طويل.
وبرغم أن موجة الديمقراطية نجحت في اكتساح مناطق عديدة في العالم بدرجات متفاوتة إن في أوروبا الشرقية أو آسيا الوسطى أو أميركا اللاتينية أو أجزاء من أفريقيا, إلا أنها توقفت عند بوابات العالم العربي ولم تستطع اختراقه. وكان الأردن من أوائل الدول العربية التي التقطت بوصلة التغير العالمي الجديد وتوجهت نحو الدمقرطة في أواخر الثمانينيات وبدا المشروع الأردني ريادياً في المنطقة وواعداً إلى درجة الإزعاج الإقليمي خاصة من بعض دول الجوار التي رأت في التوجه الأردني احتمالات "عدوى" قد تؤثر عليها وتدفع بطلبات داخلية للضغط على الأنظمة لتقليد الحالة الأردنية. لكن الذي حدث بعد سنوات قصيرة من الربيع الديمقراطي الأردني أن عاملاً خارجياً قد ألقى بوطأته على الفضاء الأردني الداخلي بكل تحولاته, ألا وهو معاهدة السلام مع إسرائيل. وهنا طفت على السطح معضلة العلاقة بين "السلام والديمقراطية" التي تناقش في الغرب أكاديمياً ويعيشها الشرق الأوسط عملياً في الوقت الراهن.
والزخم النظري, وإلى حد ما التدعيم العملي, لمقولة "السلام والديمقراطية" يأتي من التجرية الأوروبية أساساً. فهذه المقولة تفترض بأن الدول, أو الأمم, إذا أصبحت ديمقراطية فإن الحروب لا تقوم بينها, وكذا أن العلاقات بين السلام والديمقراطية هي علاقة شرطية إذا حل الواحد منها فإن الآخر سوف يلحق به حتماً. والمثل الشهير الذي تدعم به هذه النظرية هو النموذج الأوروبي في العلاقات بين الدول. فأوروبا كانت موئل الحروب الطاحنة طوال التاريخ, سواء الدينية منها أو الإثنية أو التوسعية القومية. وكانت الدول والإمبراطوريات الأوروبية قد اتخذت أنواعاً مختلفة من الدكتاتوريات الملكية أو الدينية التي لم يكن للشعب رأي أو صوت في صناعة قرارتها المصيرية. ولم تحظ أوروبا بالسلام إلا بعد أن سيطرت عليها الأنظمة الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية, وانقضى عهد الفاشية والنازية والفرانكفونية. وعليه فإن علاقة السلام بين الأمم والديمقراطية هي علاقة عضوية وشرطية.
على أن هذه النظرية تواجه اختباراً قاسياً في الشرق الأوسط ربما يؤدي إلى نقضها كلياً. فهنا يقف "السلام" مع إسرائيل عقبة كأداء أمام التحول الديمقراطي الخجول الذي بدأته بعض الدول. فالمشكلة هنا أن السلام لا يحظى بشعبية واسعة وهو مرفوض في الشارع العربي على أساس أنه لا يستجيب للحقوق الفلسطينية والعربية الدنيا, ولهذا فإنه يسقط في أي مواجهة ديمقراطية أو استفتاء. والداعم الرئيسي للسلام مع إسرائيل هو الأنظمة الحاكمة نفسها التي يعول عليها البعض أن تقود التوجه نحو الديمقراطية. والأردن يمثل الحالة المثالية التي يمكن أن تخضع للدراسة والبحث واختبار هذه النظرية, ومن هنا يأتي "الوعد" الذي يحمله عنوان الكتاب الذي بين أيدينا. لكن هذا الوعد لا يتحقق خلال وبعد مطالعة الكتاب, فالبحث الغني بالتفاصيل المؤرخة للمسيرة السياسية الأردنية خلال عقد من السنوات ينتمي إلى أدبيات التأريخ السياسي العام الذي يرصد الأحداث ويسجلها بحيث يغدو مرجعاً مهماً حقاً يغطي الفترة المذكورة (أي أقرب إلى تسجيل للوقائع).
والنقاش الذي يحمله الكتاب حول "الديمقراطية المقيدة" هو خافت جداً وبالكاد يرى, ويبدو للقارئ أن عنوان الكتاب وضع في اللحظات الأخيرة من دون أن يعبر حقاً عن جوهره مما ألحق ظلماً بالكتاب والكاتب. فنحن هنا لا نجد إطاراً تحليلياً نظرياً يؤسس لفكرة "الديمقراطية المقيدة" أو حتى يعرفها ويرسم الحدود الخاصة بها والفروقات بينها وبين الديمقراطية "غير المقيدة". بل أبعد من ذلك فإن لفظة "الديمقراطية المقيدة" لم ترد في الكتاب كله سوى مرة واحدة (في صفحة 309). ومع أن عناوين الفصول تشير إلى أثر هذا التحول السياسي أو ذاك على الديمقراطية في الأردن فإن متن الفصول لا يتعدى السرد التاريخي وتسجيل الأحداث من مثل تشكيل الحكومات المتعاقبة ومواقف الكتل البرلمانية ومشاركاتها أو تحفظاتها على تلك الحكومات فضلاً عن تأريخ مواقف الملك حسين فيما يتعلق بالعملية السلمية.
لا يحتوي الكتاب على مقدمة نظرية يقول لنا فيها المؤلف ما الذي يريد أن يثبته أو يدحضه فيما هو خاص بالديمقراطية في الأردن, لهذا نفاجأ بفصل موسع عن العلاقة الأردنية الفلسطينية خلال عقد الثمانينيات فيه سرد تفصيلي لاتفاقات الأردن مع منظمة التحرير (فبراير/ شباط 1985) ثم فشله, وصولاً إلى فك الارتباط الإداري والقانوني بين الأردن والضفة الغربية في يوليو/ تموز 1988. ولا يشير المؤلف إلى العلاقة بين هذا الفصل وعنوان الكتاب, لكنه يدلف إلى الفصل الثاني الذي يؤرخ فيه لأحداث الجنوب الأردني التي وقعت في شهر أبريل/ نيسان 1989 وصارت تعرف بـ" هبة نيسان" والتي أدت إلى سقوط وزارة زيد الرفاعي وإجراء انتخابات نيابية في الأردن لأول مرة بعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967 من قبل إسرائيل.
ثم يتابع محافظة التأريخ للوقائع السياسية الأردنية على الساحة الداخلية فيسجل تشكيل حكومة زيد بن شاكر وبدايات التحول الديمقراطي, ثم حكومة مضر بدران التي شارك فيها الإسلاميون بعدد من الوزراء لأول مرة في تاريخ الأردن (في أواخر سنة 1989), ثم حكومة طاهر المصري (1991), وحكومة الشريف زيد بن شاكر الثانية (1991), وحكومة عبد السلام المجالي (1993), وحكومة الشريف زيد الثالثة (1995), وحكومة عبد الكريم الكباريتي (1996), وحكومة عبد السلام المجالي الثانية (1997), وصولاً إلى حكومة فايزالطراونة (1998). وفي سردياته المطولة لتفاصيل تشكيل الحكومات المتعاقبة والمفاوضات بين رئيس الوزراء المكلف من قبل الملك حسين والكتل البرلمانية يقدم المؤلف مادة ثرية وموثقة وبعضها حصيلة لقاءات خاصة مع كبار السياسيين الأردنيين الذين لعبوا أدواراً مركزية في السنوات المعنية. لكن هذا الثراء يعيبه الغياب شبه الكلي للتحليل المعمق والمثير للتفكير الذي يتوقعه المرء من كتاب يدرس حال التطور الديمقراطي في الأردن. ولا نستطيع أن نعثر على رأي واضح للمؤلف عن "الديمقراطية المقيدة" في الأردن. وكل ما نتمكن من الحصول عليه هو سجل مفيد بالطبع للوقائع السياسية التي ترافقت مع خط تطور العملية السلمية وخط التراجع الديمقراطي.
وفي مقابلة الخطين أحدهما مع الآخر نلاحظ مع المؤلف أن تدهوراً مستمراً في الحالة الديمقراطية مواز لتقدم العملية السلمية. فالدمقرطة التي بدأت في الأردن عام 1989 سرعان ما تعرضت لنكسات متتالية بدءا من انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 ثم ما تلاه من حلقات وجولات في تلك العملية الطويلة. فالقوانين التي فرضت على الأحزاب والصحافة والحريات العامة خلال حقبة ما بعد مدريد عادت بالبلاد في فترات بعض الحكومات إلى ما قبل عهد الديمقراطية. لكن المؤلف يترك للقارئ أن يخلص إلى ما يريد من استنتاجات من دون أن يقدم تحليله الخاص به ويؤطر لمقولة الديمقراطية المقيدة كما تشرحها الحالة الأردنية. والحذر الذي قيد معالجة محافظة لهذا الموضوع أثار أسئلة أكثر مما قدم أجوبة, ولعل الإشارة التالية الواضحة والنادرة في تعرضها للديمقراطية المقيدة تدلل على غموض موقف المؤلف, فهو يقول "... على الرغم من التعهدات التي قطعها الكباريتي على نفسه وعلى حكومته بالسير في عملية التحول السلمي نحو الديمقراطية, فإنه لم يستطع تجاوز الحدود التي رسمت بعناية للديمقراطية الأردنية (ولا يخبرنا المؤلف من الذي رسم تلك الحدود, بل يتابع). صحيح أن نظام الحكم قد التزم بالديمقرطية ولكنه أرادها ديمقراطية مقيدة, لأن البديل منها الإحباط والقمع والفوضى التي قد تؤدي إلى حرب أهلية يخسر فيها الجميع" (ص 309). وكما هو واضح فإن هذا النص الغامض لا يقدم جديداً في أحسن الأحوال ومجرد إعادة إنتاج لفظي لموقف الملك حسين الذي يورده المؤلف بعد ذلك بعدة صفحات حينما يقتبس عنه القول "لا بديل للديمقراطية في مجتمعاتنا في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخنا سوى الإحباط والقهر والفوضى التي تؤدي إلى حروب أهلية الكل فيها مهزوم" (ص 312).
إضافة إلى ما ذكر أعلاه ثمة ملاحظات شكلية على الكتاب منها عدم تبرير إقحام "السياسة الخارجية الأردنية" (الفصل السابع) لتقطع التسلسل الزمني والتعاقب بين الحكومات. فهذا الفصل يأتي ليفصل بين الفصل السادس عن وزارة الشريف زيد بن شاكر الثانية والفصل الثامن عن حكومة عبد السلام المجالي الأولى. بل إن كل الحديث عن السياسة الأردنية الخارجية بدا واهي الصلة بموضوعة الديمقرطية المقيدة التي هي عنوان الكتاب خاصة وأن لا أثر بين أو دراسة لانعكاس السياسة الخارجية على الديمقرطية الأردنية أو العكس سواء سلباً أم إيجاباً. والملاحظة الثانية متعلقة بالخاتمة القصيرة وغير المشبعة والتي لا تستنتج شيئاً ولا تقدم خلاصات البحث للقارئ, بل تذهب نصف صفحاتها القليلة للحديث عن آخر أيام الملك حسين وتطورات استلام الملك عبدالله وإبعاد الأمير حسن وما سوى ذلك. أما النصف الثاني من الخاتمة فيتحدث عن التحديات التي تواجه الأردن وهي ثلاثة برأي المؤلف: سياسية متعلقة بالوحدة الوطنية الداخلية (علاقة الأردنيين والفلسطينيين), وإدراية متعلقة بتغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات, واقتصادية. وكما هو واضح ليس هناك أي استخلاص بشأن أسباب أو جذور أو آفاق "الديمقرطية المقيدة" في الأردن, بخلاف ما كان يعد به عنوان الكتاب.