تعد قلعة الكرك من اهم المواقع الأثرية على المستوى الوطني حسب عدد من الرحالة والمستشرقين القدامى الذين زاروها وان شهرتها العالمية جعلت منها قبلة مهمة للسواح القادمين للأردن من مختلف اركان المعمورة .
تقع قلعة الكرك على بعد زهاء (125) كيلومترا جنوبي العاصمة عمان على تلة ترتفع (96) مترا عن مستوى سطح البحر تشرف غربا على منطقة الأغوار الجنوبية ويشاهد من فوقها ليلا انوار مدينة القدس الشريف ، بينما تحيط بالتلة التي تقع فوقها القلعة ومدينة الكرك داخل الأسوار الأودية من جهاتها الثلاث باستثناء الجهة الجنوبية ولمزيد من التحصين للقلعة حفر خندق عميق وعريض .
واقترن اسم القلعة باسم المدينة ووصف ياقوت الحموي القلعة بانها قلعة حصينة، ويستدل من نقش الملك المؤابي ميشع (850) قبل الميلاد ان مكان القلعة كان في الأساس معبدا للاله المؤابي(كموش) فقد ورد في النقش :«انا الذي بنى المكان المقدس لكموش الاله في كركا، انه مكان عال ... بنيت كركا ، بنيت سورها وبواباتها وابراجها وقصر الملك وحفرت بركتان للماء وسط المدينة...» ويعتقد الكثير من المؤرخين ان قصر الملك هو البناء الذي لا زال قائما حاليا على اسوار المدينة الشرقية قرب مجمع السفريات الداخلية حاليا ، وهو بناء لا زال اكثره قائما للآن ، أما مداخل المدينة الأربعة التي تحدث عنها النقش فلا زال اثنان منهما ماثلين للعيان وعلى الأخص الواقع قرب قصر الملك في الجهة الشرقية من المدينة وكذلك البركتان المستغلة احداهما كمجمع للسفريات الداخلية والأخرى تقع في الجزء الغربي من المدينة ، وحسب المؤرخين المقريزي والدواداري ان القلعة كانت قائمة قبل مجيء الصليبيين الذين اضافوا وزادوا عليها ومرورا بالأيوبيين والمماليك وما شهدته القلعة من تطور حتى أصبحت مدينة متكالمة الخدمات وصولا الى العهد العثماني وقد شهدت القلعة في هذه العهود المزيد من التوسع والإضافات .
لقلعة الكرك اربعة اسوار لا زالت جميعها قائمة وإن كانت بعض الأبراج المنصوبة عليها قد اعتراها التغيير بفعل ما تعرضت له المنطقة من زلازل متلاحقة او نتيجة الحروب والحصار او بسبب عوامل الزمن ، وتتألف القلعة من الداخل من جزءين رئيسيين الجزء الأسفل ويقع في الجهة الغربية على يمين الداخل للقلعة والجزء الأعلى ويقع على يسار الداخل من جهة الشرق .
الجزء الأسفل ابرز ما فيه بعد هبوط حوالي (50) درجة من بوابة القلعة على اليمين قاعتان كبيرتان مضيئتان بشكل طولي احداهما مستغلة الآن كمتحف اثري وعلى مقربة منهما وباتجاه الشمال مدخل تهبط من خلاله حوالي (35) درجة لتصل الى قاعتين متقابلتين يفصل بينهما بهو له طلاقات علوية للإضاءة الأولى بطول حوالي (81) مترا وعرض (7) امتار وهي تعرف بالقاعة الناصرية من اسم الملك الناصر داود وهي القاعة التي نزل بها الظاهر بيبرس عندما استولى على القلعة سنة 1262 م ، والثانية بطول (38) مترا وعرض حوالي (7) امتار يفصل بين جزءي القلعة العلوي والسفلي جدران عليها بعض الأبراج لمزيد من التحصين والمنعة وفي هذا الجزء توجد اطول قاعة في القلعة (116) مترا وبعرض (3) امتار وعلى جانبيها شرقا وغربا عدد من الأبواب تؤدي الى غرف ،وتعتبر الواجهة الجنوبية من الجزء الأعلى من القلعة من احصن النقاط الإستراتيجية في القلعة وامنعها وتتألف من اربعة طوابق الطابق الأول وهو قاعة (27×6) امتار والطابق الثاني مكون من (5) غرف والثالث من (4) غرف والطابق الرابع عبارة عن مصطبة ويعتقد ان الطابقين الثالث والرابع كانا بحكم تشكيل بنائهما يستخدمان للمراقبة وفي هذا الجزء يوجد العديد من مواقع المرافق الخدمية المدرسة والمسجد والمعصره والأفران والمطابخ والكنيسة والحمام والسجن وعدد من القاعات مختلفة الأغراض .
ويمكن القول انها شهدت في العصر الحديث المزيد من التطوير والتحسين وأعمال الصيانة التي شملت مرافق القلعة واسوارها وابراجها اسهم في راحة وفائدة السائح وتسهيل مهمته إلا انها لا زالت تحتاج الى المزيد من الجهد وذلك من حيث حاجتها للمرافق العامة مثل الوحدات الصحية وانارتها من الداخل والخارج وتطوير المتحف الأثري فيها وصيانة ما تبقى من ابراجها وكذلك عمل النشرات والمطبوعات التي تتحدث عن القلعة وبمختلف اللغات وتبرز الحاجة الى ادلاء سياحيين مقيمين في المدينة ممن لديهم معرفة كافية بتاريخ القلعة والمدينة وممن يتحدثون اللغات الحية بطلاقة في حين يتطلع أبناء الكرك الى سرعة تشغيل نظام بانوراما الصوت والضوء الذي تأخر تشغيله بعد ان تم تجهيز متطلبات بنيته التحتية فهذا في اعتقادهم يخدم الحركة السياحية الداخلية والخارجية في المحافظة بشكل عام وهذه المطالب قالت المصادر ذات العلاقة في الكرك انها قيد الإهتمام وستنفذ تدريجيا في اطار سعي وزارة السياحة والآثار لجعل منطقة الكرك بما فيها من كنوز اثرية سياحية احد المقاصد السياحية في الأردن وليس ممرا للسواح فقط .
وقلعة الكرك محاطة من جميع الجهات بواجهات دفاعية طبيعية باستثناء الجهة الشمالية التي حفر لها خندق في الصخر يوصل القلعة بالمدينة، ويدعم الخندق برجان. وكتب ابن بطوطة عن القلعة ووصفها بأنها "حصن الغراب"، في حين وصفها ياقوت الحموي بأنها"قلعة حصينة في سورية الجنوبية على جبل عال وتحيط بها الاودية من كل جهة".
وشهدت القلعة احداثا تاريخية كبيرة فرضتها طبيعة القلعة باعتبارها حصنا يلجأ اليه كل الحكام في زمن الشدائد. وعاشت عصرها الذهبي في العصرين المملوكي والايوبي عندما جعلها امراء الدولتين عاصمة لملكهم بعد ان آلت اليهم بعد عصر الحروب مع الصليبيين، حيث قاموا ببناء المدارس ودور العلم ومراكز الاستشفاء "البيمارستان"، وبنوا الابراج الجديدة لتحمي القلعة من هجمات الاعداء.
ويشير نقش على احد ابراج القلعة الى العمارة التي اجراها الظاهر بيبرس لها، ويقول إنها عمارة "مولانا السلطان، الملك الظاهر، السيد الاجلّ الكبير، العالم العادل المجاهد، المرابط المؤيد المظفر المنصور، ركن الدنيا والدين، سلطان الاسلام والمسلمين، سيد الملوك والسلاطين، ناصر الحق مغيث الخلق ملك البحرين، صاحب القبلتين خادم الحرمين الشريفين، محيي الخلافة المعظمة، ظل الله في الارض، قسيم امير المؤمنين بيبرس بن عبدالله الصالحي أعز الله أنصارة".
وفي الفترة المتأخرة من تاريخها وخصوصا في نهايات الدولة المملوكية تدنت اهمية القلعة، وتعرضت لغزوات القبائل البدوية، ولم تكن القلعة ومنطقة الكرك تحت اية سلطة مركزية في ذلك الوقت، حتى جاء العهد العثماني الذي سيطر على الكرك والقلعة وجعلها حامية تركية واعاد استخدامها مركزا للجند، بعد ان دُمر جزء كبير منها اثناء عملية السيطرة عليها واحتلالها.
وبقيت القلعة على حالها دون اضافة او تجديد حتى تدهورت حالها نتيجة الاهمال خلال فترة الحكم العثماني، ولم يجر لها اية عملية ترميم وحتى وقت قريب الى ان أكدت دراسة حديثة لسلطة المصادر الطبيعية ان القاعدة الصخرية للقلعة تتكسر وان هناك انزلاقا في الجهة الشرقية في دعامات القلعة، اضافة الى تساقط العديد من حجارة القلعة بشكل يوم.
وإثر تلك الدراسة بدأت الاجهزة الرسمية بعملية ترميم منذ العام 1995 وما زالت جارية حتى الآن. ويشير الباحث في ترميم القلاع فراس العضايله ان الترميم الذي يجري للقلعة يجري بطريقة"عشوائية وبأيد غير مختصة من العمالة العادية التي لا تعرف شيئا في ترميم القلاع".
ويضيف ان الترميم يجري في الاجزاء الخارجية دون القيام بعملية ترميم داخلية لإزالة آلاف الاطنان من الطمي الموجود داخل القلعة والذي طمر معالمها التاريخية، مشيرا الى ان ما يظهر من القلعة الآن ليس سوى جزء بسيط مما هو موجود.
ويقول مدير مكتب الآثار في الكرك جهاد السعودي ان عمليات الترميم في القلعة جاءت بسبب حدوث تصدعات في اجزائها الخارجية، والتي اضطرت دائرة الآثار الى عملية الترميم الخارجي وترك داخل القلعة لوقت لاحق، مبينا ان المبلغ المرصود لترميم القلعة يصل إلى 70 ألف دينار سنويا "وهو مبلغ بسيط